ذكر المصنف قوله تعالى: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))[النساء:82]، وهذا كقوله تعالى: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))[محمد:24]، فلو تدبره الناس وعقلوه واشتغلوا به وأقاموه؛ لفتحت عليهم البركات، ونزلت الأرزاق والثمرات، ولصلحت أحوالهم في كل صغيرة وكبيرة؛ ولهذا كانت قراءة السلف الصالح للقرآن قراءة خشوع وتدبر، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: [[لأن أقرأ البقرة وآل عمران بتدبر أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذراً!]]، وقال مجاهد : [[لأن أقرأ القارعة و(ألهاكم التكاثر) بتدبر، أحبُّ إلي من أن أقرأ القرآن كله سريعاً]]، فليست المسألة أن يختم المسلم القرآن المرة والمرتين، لكن المهم قراءته بتدبر، والعمل به.
وقوله تعالى: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))[النساء:82] معناه: أن كل ما عدا كتاب الله من أعمال البشر ففيه نقص وخلل واختلاف.. فكل من يأتون الناس بعقائد وفلسفات وأديان، سرعان ما يكتشفون أن فيها تناقضاً واختلافاً، وأول من ينقضها ويهدمها هم أهلها، بعد أن يختلفوا فيها، وكل واحد يفسرها بعقله وهواه، فمثلاً: النصرانية عندما تركت التوحيد الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، وأخذ كل منهم يضع من عنده عقيدة؛ اختلفوا وتفرقوا وتشعبوا، وكلما تدبر الإنسان هذه الأناجيل أو قرأها وجد أنها باطلة، وأن فيها اختلافاً كثيراً وتناقضاً كبيراً.
وكذلك الأحكام والحدود، فإن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لنا حد السارق والزاني والشارب، وهي أحكام قطعية محكمة واضحة، مهما تقادمت العصور والدهور، فهي تؤدي الغرض والحكمة التي شرعت من أجلها، أما الناس فلا تكاد تمر سنوات إلا وتتغير آراؤهم.
وكذلك القوانين الوضعية سرعان ما تتغير من آن لآخر؛ لأنها وضعت من قبل البشر.
وهكذا عمل البشر؛ فإن أي شيء يضعه البشر جزاءً أو حداً أو عقوبة؛ فإنه لا يمكن أن يثبت، ولذلك فإن كل الشرائع الطاغوتية تناقض بعضها بعضاً.
أما كتاب الله تعالى فإنه محكم واضح، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا))[النساء:82]
وقد قال تعالى: ((وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا))[الأنعام:115] أي: صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، فأخباره صدق، لا يمكن أن يتطرق إليها الشك بحال من الأحوال، وأحكامه عدل لا يمكن أن يتطرق إليها حيف أو جور أو ظلم بأي حال من الأحوال. هذا هو كلام الله، وهذه هي شريعة الله سبحانه وتعالى التي ألزم بها الناس جميعاً.